"ثلاثة أيام هي الدهر كله وما هن غير الأمس واليوم والغد" اقتباس لأبو العلاء المعري يعكس به فلسفة عميقة حول مفهوم الزمن حيث يشير المعري إلى أن الزمن يُختصر في ثلاثة أبعاد فقط محصورة بوقت متقارب لما كان التقسيم المعروف (ماضي، حاضر، مستقبل) عبر عنه المعري بالأمس واليوم والغد اشارة للزهد بالحياة وقصر الزمن مهما بدى لنا أبدي ورؤية الدهر بشكل مبسط بعيد عن التعقيد والامتداد الطويل كما نعتقد ونشعر بل انه يتلخص بثلاثة ايام ربما تحسبها فترة موحدة ذات نطاق متطابق وإطار واحد لكنها بالفعل ثلاث ازمنة مختلفة تشرح معنى الدهر ويعتبر الاقتباس دعوة للتأمل في كيفية استخدامنا للزمن وكيف أن كل لحظة تحمل قيمة في تشكيل حياتنا ويجب أن نعيش كل يوم بوعي لهذه الحقيقة لأن الحياة تتكون من ثلاث لحظات وكل لحظة منها يمكن أن تُحدث فارق كبير الفلسفة العميقة هذه أتت من عقل نابغ وعلم من أعلام الأدب العربي في العصر العباسي أحمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي المعروف بأبو العلاء المعري فيلسوف الشعر وشاعر الفلاسفة عاش حياه صعبة أودت به إلى العزلة التي لم تعزله عن العالم لوجود عوالم أخرى داخل ذاته فنظم الشعر وألف الكتب ونقد العلوم ليناقلوا حكمته طالبين المعرفة الف عام من بعده ولد ابو العلاء في معرة النعمان جنوبي محافظة إدلب السورية ومنها آتى لقب "المعري" نسبة لمنطقة المعرة أصيب بالجدري الذي افقده بصره في الرابعة من عمره وعلى الرغم من ذلك اشتهر بالوصف البليغ ولم يعقه كف البصر عن البراعة في كل ما أحاط عقله به. نظم الشعر وهو في سن 11 عاماً كما درس الأدب والتاريخ والفقه والأديان الإبراهيمية الثلاث والمجوسية والهندية والمذاهب المختلفة وصاغها في أدبه وشعره ورسائله وأفكاره دعي إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية بعد محنته من أمير حلب واتهامه بالزندقة بسبب آرائه الجدلية فرحل إلى بغداد لأنها كانت مدينة العلم ودار الخلافة ووصف المعري بالأبعد نظراً بين أبناء جيله تمايز عنهم بحكمته وفلسفته العلمية والشخصية أيضا حيث لم يكن يرى بالإنجاب ما يراه معظم الناس في عصره إذ عرف عنه المعارضة للإنجاب رحمة بمن يذرهم من بعده في هذه الحياة التي قست عليه موصيًا أن يكتب على قبره "هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد" برع أبو العلاء النقد فخرق الحجب ووصل إلى معدن المعرفة مؤلفًا العديد من الكتب في مختلف المجالات ومن بينها كتاب "رسالة الصّاهل والشّاحج" والذي يقوم على محادثة بين فرس وبغل دار بينهم حوار مطوّل شمل العديد من مجالات الحياة اما عن "درعيات" أبو العلاء فهي قصائد وصف بها الدرع مع أنه لم يخض غمار معركة قط وقد فتن بوصفها بمختلف الأساليب فمرة يصفها على لسان رجل أسَنَّ ترك لبسها ومرة جعل منها محاورة بين درع وسيف؛ وعدّت "الدرعيات" عالماً فنيًا قائماً بذاته أسطورة فنية خلقت من أجل التدرع والتصدي للمجتمع وعوامل الاغتراب التي عاشها نتيجة كف البصر وعوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية فضلاً عن وفاة معلمته الاولى والدته والتي صاحب خبر وفاتها كتابته رسالة لأهالي المعرى يبلغهم فيها بالعزلة التي التزم بها لمدة 40 عاماً من سن الأربعين وحتى وفاته في الثمانين وعرف بالزهد في المأكل والمشرب والعيش بقسوة وصرامة وعدم قدرة الكثير من معاصريه على فهم أفكاره وأسلوب حياته ونستشهد بقول ابن العديم:
"ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري"
المصادر:
موقع واس
https://www.spa.gov.sa/471161e695
موقع الديوان
https://www.aldiwan.net/cat-poet-almaarri
موقع المعاني
https://www.almaany.com/answers/398238/ماهي-قصائد-الدرعيات؟
PDF كتاب الصاهل والشاحج
https://books4arabs.com/BAA/BBA-02304.pdf